الخميس، 16 أبريل 2009

.

ـ 1 ـ


- مش لو كان عندك كاميرا كنت ورّيتهالك ..؟..
- و إنت يعنى اللى عندك كاميرا واللا كمبيوتر من أصله ..؟!!..
- الواد (جورج) ساعات بيسيبنى ف السايبر بتاع خاله و يروح النشاط بتاع الكنيسة .. أقوم أنا بقى قافل السايبر عليّا و أدخل ع الماسنجر و أقابلها .. حـتة بت فرسة بنت فرسة ..
- هيّـا إسمها إيه..؟..
- (هانا)..
- و دى من أنهى بلد ..؟..
- هه هه .. بنت الكلب فكرت إنـّها ضحكت عليّا لمّا قالت لى إنـّها أمريكانيّة .. بس على مين ..؟.. هه هه .. وحياتك كشفتها من تانى شات ..
- كشفتها إيـه ..؟..
- إنـّها إسرائيليّة ..
رددت بدهشة :
- إسـرائيليّة ..؟!!..
قال باستخفاف :
- آه إسرائيليّة .. و دى فيها إيـه ..؟..
- فيها إيـه ..؟.. إنت يا بنى مش قلت لى إنّ ليك خال شهيد ف حرب أكتوبر ..
- حصل ..
- أمـّا إنك بنى آدم بجح صحيح و معندكش دم ..
نهض ليفتح شيش البلكونة و أخرج سيجارة كلوباترا فرط من جيب قميصه قائلاً :
- يا بنى ماتبقاش عبيط .. الكلام ده كان من زمان و خلص خلاص .. و زى ما أنا ليّا خالى شهيد .. هيّـا أكيد ليها حد من قرايبها مات برضه ف حرب أكتوبر .. نبقى خلاص خالصين ..
- بس دول أعدائنا ..
أصدر صوتاً بذيئاً من أنفه قائلاً :
- أعداء مين يا بو أعداء .. إنت بتصدق الكلام ده ..؟.. ده كلام العالم المسقفين اللى بيكتبوا ف الجرايد و يطلعوا ف الجزيرة .. إنـّما إحنا لا نعرفهم و لا يعرفونا .. يبقوا أعدائنا منين ..؟؟..
و نفث دخان سيجارته ثم إستطرد:
- و همّا لو كانوا أعداءنا بجد كان الريس يحضنهم و يطلع معاهم ف الصور.. واللا حتى يعبرهم بجزمة قديمة ..؟..


ـ 2 ـ

فى يوم ٍ ما منذ زمن بعيد كانت أمى إمرأة جميلة..
أعرف ذلك جيّداً عندما أنظر إلى صورة زفافها مع أبى المعلقة على حائط غرفة نومها.. الصورة قديمة محاطة ببرواز ذهبى حائل اللون .. أمى تبتسم بسعادة.. فستانها الأبيض.. باقة الورد بين أصابعها ، بينما ذراع أبى رحمه الله تحيط بخصرها..
الغريب أننى لم أعد أذكر من صورة أمّى القديمة إلا خيالات مبهمة غير واضحة.. أذكر مثلاً وجهاً رقيقاً.. إبتسامة دافئة.. ضحكة صافية من القلب.. جسداً فارعاً ممشوقاً.. ماذا أصاب أمّى..؟.. ما الّذى أحنى ظهرها..؟.. ما الّذى حفر هذه التجاعيد حول عينيها و فمها..؟.. لماذا لم تعد أمّى تضحك..؟.. لماذا أسمع صوت نهنهتها من خلف باب حجرتها المغلق..؟.. لماذا صارت تبدو و هى فى الخامسة و الأربعين من عمرها و كأنّها فى الستين..؟..
"شــيل الهمّ "...
تقولها جدتى بمرارة .. أنظر إليها متسائلاً فتسحب نفساً من سيجارتها باحتراف و تنفث دخانه :
-كح كح ..الحِمل.. كح كح.. تقل على.. كح كحكح.. تقل على أمـّك .. أبـوك مات من عشر سنين و ماسابش حاجة غيرك إنت و أختك.. و من ساعتها أمـّك ماشافتش لحظة راحة واحدة..
و تشرد ببصرها للحظة قبل أن تغمغم و كأنّها تحادث نفسها :
-العيشة بقت صعبة.. القرشين اللى بيطلعوا لأمك م الدروس الخصوصيّة على القرشين اللى خالتك بتبعتهم لنا م (الكويت) من ورا ضهر جوزها المعفن يادوب معييشنّا مستورين..
(صفيّة محمد شحاتة) – ماما- مُدَرِسة كيمياء بمَدرَسِة (نبويّة موسى) الثانويّة بنات.. مشكلتى معها هى أنـّها مازالت تعاملنى كطفل فى العاشرة بالرغم من أننى أوشكت على إستكمال العشرين ، و هو ما يضايقنى جداً .. يستفزنى مثلاً إصرارها على تزويدى بساندويتشين أثناء ذهابى إلى الكليّة صباحاً .. بل و الأدهى أنـّها تصر على إصطحابى كل صباح عند ذهابى للجامعة فى طريقها إلى مدرستها بشارع (بن جحدم) المتفرع من ميدان (إبن سـَندَر).. تستقل معى عربة مترو الأنفاق من محطة (المطريّة) .. أتوسل إليها أن تستقل عربة السيّدات بدلاً من حشر نفسها وسط الأجساد فى العربة الّتى أركبها ، و لكن لا حياة لمن تنادى .. فأظل طيلة المسافة الفاصلة بين محطتىّ (المطريّة) و (حمّامات القبّة) أغلى من الغيظ و أنا أراها تحاور و تناور الأجساد فى محاولة للوقوف فى مكان مناسب أو للوصول إلى باب العربة عند إقتراب محطتها .. أسمع صوتها قبل أن ينغلق باب العربة يردد :
-(مـيدو) .. لا إله إلا الله ..
بضعة نظرات ساخرة من المحيطين بى .. أخفض رأسى متمتماً :
-سيدنا (محمد) رسول الله ..
عند العصر.. تبدأ الطالبات فى التوافد .. مجموعة الساعة 4 .. مجموعة الساعة 5:30 .. مجموعة الساعة 7 .. تجلس ماما إلى السفرة الّتى تلتهم جزءاً لا بأس به من صالة المعيشة –الليفنج- و تتحلق الطالبات من حولها .. أكون جالساً فى حجرتى الّتى هى فى الأصل حجرة الصالون و قد قامت ماما بنقل سريرى و مكتبى إليها..
-لأنّك كبرت و بقيت راجل و ماتنفعش تنام مع أختك البنت ف أودة واحدة ..
بالرغم من أنّ الحجرة صارت أقرب إلى مخزن "العفش" بما تكدس فيها ، إلا أننى كنت سعيداً باستقلالى عن (أسـماء) –أختى- و جدتى فى غرفتى الجديدة.. المهم كنت أقول أننى من موضعى فى حجرتى/حجرة الصالون أختلس النظرات إلى الفتيات الجالسات حول السفرة يتلقون الدرس، و بخاصة "المزز" منهنّ .. أحفظ أشكالهنّ و أسمائهنّ عاماً بعد عام.. الشعور الطويلة.. الأرداف الممتلئة أسفل البنطالونات الجينز الضيّقة.. الباديهات الّتى تكشف كل ما تغطيه.. كل هذا على خلفيّة أوبراليّة من صوت ماما و هى تردد المعادلات و المصطلحات و شروط التفاعلات الّتى صرت بطبيعة الحال أحفظها عن ظهر قلب رغم دراستى الأدبيّة.. بالطبع كنّ يلاحظن نظراتى إليهِنّ ، و أرى الإبتسامات الماكرة على شفاههِن إذ تتلاقى عيوننا ، فأسارع بخفض بصرى و التشاغل بأى شئ ، بينما أشعر بالدماء الساخنة تصعد إلى وجهى.. لم يحدث أن تكلمت مع إحداهنّ سوى مرّة واحدة ، و كنت آنذاك فى الصف الأول الثانوى .. مجرد كلمات خاطفة تبادلتها مع (مروة) الّتى أتت مبكراً قبل وصول بقيّة زميلاتها .. بادرتنى هى بالسؤال عن دراستى و إمتحاناتى (و كانت المرّة الأولى الّتى أكلم فيها فتاة ) فأجبتها بصوت خفيض و كلمات متلعثمة، و ظلّت ملامحها طيلة الأسابيع التالية محفورة فى ذهنى مقرونة بصوتها الرقيق.. أستعيدها باستعذاب لا مثيل له ، و أنسج قصة حب مؤثرة جداً بينى و بينها تفوق قصة (جاك) و (روز) فى (تايتانك) ، و مع ذلك لم يُكتب لهذه القصة العظيمة أن ترى النور لأننى لم أجد الجرأة لأكلمها مرّة أخرى..
بعد إنصراف آخر المجموعات ليلاً تتربع ماما على الأريكة أمام شاشة التليفزيون .. تتنقل بالريموت كنترول بين (بانوراما1) و (بانوراما 2) .. تتابع برامج الشيخ (محمود المصرى) و (محمد حسّان) على قنوات (الناس) و (الرسالة) و (إقرأ).. تلتمع عيناها بالدموع و هى تردد الأدعية خلف الشيخة (عبلة الكحلاوى).. تراقبها جدتى من مكمنها فى ركن الحجرة (بجوار الشباك).. تنفث دخان سيجارتها من فم خالٍ إلا من أسنان صفراء معدودة، و يهتز جسدها بالضحك المكتوم ..
-فى إيه يا سـتى..؟..
تميل نحوى هامسة :
-إتـفرّج عليها كمان شويّة لمّا تركب التليفون..
و بالفعل .. لا تمر دقائق على إنتهاء البرنامج حتى "تركب" ماما التليفون .. تكلم من..؟.. طانط (عفاف) طبعاً.. "أنتيمتها" و زميلتها فى المدرسة ..
" فاتِك النهاردة يا (عفاف) منظر البت (دعاء) و هى بتتهزّأ .. أبلة (منيرة) الناظرة مسحت بكرامة اللى خلّفوها البلاط .. أحسن .. هيّا اللى جابته لنفسها .. نافشة ريشها كده زى الطاووس و طالعة فيها مش عارفة على إيه .. عشان حتة الماجستير بتاع العلوم اللى عاملالى بيه دكتورة..؟.. ده الشحاتين ف الشوارع معاهم زيـّه..هى هى .. واللا صاحبنا .. هى هى.. بقى عمّال يبص لها و وشه جاب ألوان.. هى هى.. إلا إيه حكايته النحنوح ده كمان..؟.. هوّ مش خاطب و على وش جواز..؟.. إيه لزوم النحنحة دى بقى..؟.. معلش.. أصل هوّ صنف الرجالة كده.. إن مكانش يلعب بديله مايعرفش يعيش.. زى التمثيليّة بتاعة (إلهام شاهين).. و النبى مانا فاكرة إسمها.. المهم إنت عاملة إيه..؟.. الوليّة أخت جوزك لسه كابسة على نـَفـَسِك..؟.. إلا جوزها طلقها ليه بصحيح..؟.. معقولة..؟!!.. لا يا حبيبتى.. ماهى برضه مايصحش تبهدله بالشكل ده.. ده ف الآخر جوزها .. و راجل .. و مفيش راجل يقبل إنّ مراته تعمل فيه كده .. بصراحة يا (عفاف).. الوليّة دى مش مريّحانى .. و حاسـّة إنها هاتعملّك باللو و تدوش دماغك .. أنا مش باقومك عليها و الله .. بس أنا عايزاكى تاخدى بالك ، و منين ماتقدرى تقلبيها إقلبيها .. هوّا فى عاد حد مستحمل حد اليومين دول..؟..
طب ده فيه بقى حتة دين خبر جديد نوفى.. أبلة (تريز).. قولى كده.. لأ.. إبنها (مينا) بتاع صيدلة.. شال السنة.. آه و الله زى ما بقولِك كده.. عرفت منين..؟.. هه هه.. يا بنتى عيب السؤال ده.. دانا عندى شبكة مخابرات ف المدرسة .. لأ ماقالتش لحد.. أصلها مش عايزة حد يشمت فيها.. مانتى عارفاها غِلاويّة و فاكرة كل الناس زيّها.. و (مينا) ده بالذات كانت طايرة بيه و بتقول لازم يطلع دكتور صيدلى علشان يمسك صيدليّة أبوه الدكتور(مشهور).. الراجل ده ربنا يكرمه بعتلى دهان كويس أوى للروماتيزم علشان ماما ضهرها تاعبها جداً.. لا و الله مش شمتانة فيهم و لا حاجة.. ده (مينا) صاحب (ميدو) من أيّام المدرسة.. أيوه .. هه هه هه هه .. إستنّى بقى خدى دى .. هه هه .. إسمعى بس.. إنتى مالك يا بت رغـّاية كده ليه ..؟.."


يتبع

















المتواجدون الآن
users online

عدد الزوار
Free Hit Counter

9 التعليقات:

محمد يقول...

السلام عليكم و رحمة الله:
أنا محمد عبد القهار
ازيك يا شريف؟
انت عارف طبعا رأيي ف الحلقتين الأولانيين.
التانية مش عارف صحيح مفيش حاجة اني أقول لكاتب اكتب كذا و متكتبش كذا لكن بجد أنا لقيت إن المواضيع دي لازمة ملهاش أي معنى للأدب اليومين دول.
و بعدين من موقف أخلاقي أنا قريت لطيار و كان فيها مشهد عجز البطل غاية ف الرقي لكن هنا و متزعلش مني كان مبتذل.
كمان اليوميات اللي بعد مشهد ظهور البطلة ف الآخر حاسه مبتوت الصلة باللي قبله ممكن تكون ملهاش علاقة بالقصة خالص.
على أي حال ده رأيي و انت عارف مكانتك عندي عاملة ازاي و الكلام ده عشان عايز أشوف بصمة لمؤلف جديد ف جيل جديد مفرداته و توجهاته و أهدافه مختلفة عن الجيل اللي بيخلط دايما الابداع بالشطط و الكثير من الابتذال كإن كده بقى عندنا أدب لكن لغويا ملوش حظ من اسمه.

أخوك محمد.

محمد يقول...

السلام عليكم

ازايك يا شريف؟

مبدئيا القصه كاسلوب وكمحتوى رائعه .. دقه وصف المشاهد ورسم الشخصيات والحوار الواقعى جدا بالذات فى الفصل الاول عن البنت الاسرائيليه الفرسه
معلش اعذرنى حتى لو مصر توصف مشهد جنسى - وانا مش معترض اطلاقا طبعا على وجود الجنس فى الروايه لكن معترض جدا على اسلوب التناول ده - يبقى اوصف المشهد بشكل أدبى أحسن من كده!

بتحديد اكتر حكايه النقطه اللى حسها بتنزل فى البوكسر! .. أنا مش شايف التفصيله دى اضافت اى حاجة للعمل بالعكس دى اضعفته لانها انتقلت من مرحله نقل الشعور للقارئ ووصف المشهد ليه إلى مرحله (قرف القارئ)!
أتمنى كلامى ميضايقكش انت عارف معزتك عندى اد ايه


ده رد محمد مواطن مصري عشان معندوش أكاونت هنا

لكن انا زى محمد عبدالقهار مستغرب جدا من اسلوب (الأباحه) الجديد عليك ده

محمد يقول...

معلش أنا ناقل الرد متلخبط شوية يا شريف من الماسنجر
الرد أهه تاني

ازايك يا شريف؟

مبدئيا القصه كاسلوب وكمحتوى رائعه .. دقه وصف المشاهد ورسم الشخصيات والحوار الواقعى جدا بالذات فى الفصل الاول عن البنت الاسرائيليه الفرسه لكن معلش اعذرنى انا زى محمد عبدالقهار مستغرب جدا من اسلوب (الأباحه) الجديد عليك ده
حتى لو مصر توصف مشهد جنسى - وانا مش معترض اطلاقا طبعا على وجود الجنس فى الروايه لكن معترض جدا على اسلوب التناول ده - يبقى اوصف المشهد بشكل أدبى أحسن من كده!

بتحديد اكتر حكايه النقطه اللى حسها بتنزل فى البوكسر! .. أنا مش شايف التفصيله دى اضافت اى حاجة للعمل بالعكس دى اضعفته لانها انتقلت من مرحله نقل الشعور للقارئ ووصف المشهد ليه إلى مرحله (قرف القارئ)!
أتمنى كلامى ميضايقكش انت عارف معزتك عندى اد ايه

سامية أبو زيد يقول...

بانتظار بقية الرواية، وأهنئك على العنوان.

عمرو عز الدين يقول...

السلام عليكم

إزيك يا شريف.. إيه يا عم طب الغلابة اللي زيي يعرفوا منين أنك نزلت فصل تالت لو متابعتهم للمنتدى بس :)

عمومًا مش هقدر أبدي أي رأي الآن غير أني أقولك أنك كالمعتاد بتنقل الصورة بشكل غير معتاد، وبتحطني في الجو، لدرجة أني عرقت من الحر - والجو سقعة حاليًا - وأحمد واقف بره السنترال..

وبغض النظر عن اتفاقي او اختلافي مع محمد أبو الغيط ومحمد عبد القهار، فأنا في انتظار بقية الرواية..

وخلاص أنا عرفت السكة.. كل شوية هبقى أطل :)


تحياتي

عمرو

عبسميع يقول...

مش عارف اقولك ايه يا شريف منتظر باقي الرواية علي أحر من الجمر
يا راجل حرام عليك الناس الغلابة اللي زيي يعملوا ايه
عمومًا اشتغل في رواياتك براحتكم تمامًا وبعد كده شوف لو ناوي تحذف شيء لو ناوي
أخوك محمد عبد السميع

غير معرف يقول...

الرواية جيدة بشكل مبدئي ، غير بعض الملاحظات والتمتثلة في ( من وجهة نظري الخاصة جداً ) :

*المباشرة في بعض الجمل .
* تناول مواضيع سبق تناولها من نفس زاوية التناول ، مثل ( الأسرة المتعسرة مادياً وظروفها الاقتصادية السيئة ) .
* عدم وجود رابط حتى الآن بين المواضيع أو الشخصيات

تحياتي

Mysara يقول...

جميلة جدا يا شريف باشا..

عاجبني الواقعية اللي فيها، لكن اعذرني لا أستسيغ الجنس الأدبي إطلاقاً..

أسلوبك رائع بجد، وان كنت انتزعتني من نهاية الجزء..

حسيت انها نهاية مبتورة..

أخوك الصغير..

ميسره

Mysara يقول...

عجبني الجزء الجديد رغم إنه قصير نسبياً...

في انتظار البقية..

ميسره